بداية، أود الإشارة إلى أمرين.9
أولهما: أن مهنة الطب ،وكغيرها من المهن، لها مايحكمها من أخلاقيات تحدد العلاقة بين الطبيب ومريضه، وتعرّف مواضع التعاون والسرية وغيرها من الأمور. إلا أن كل ماسبق يعد علماً قائماً بذاته، وفيه من التفاصيل مايتوجب على دارسه أن يعلمها، وليس لغيره أن يتوقع ما ليس من أخلاقيات المهنة أو أن يفترض وجوده. وفي الموضوع السابق وهذا، بدلت أسامي المرضى وأعطيت بعضهم كنى ليست لهم. بل وإن لم أبدل أساميهم افتراضاً، فإنني ماذكرت إلا الإسم الأولي لهم..دون ذكر لإغفالي ذكر المكان والزمان والقسم الطبي الذي يتبعون له.9
ثاني الأمرين: أن القصص المؤثرة كثر، لكنني انتقيت منها ذوات العبر الصريحة والواضحه، عل فيها مايذكرني وإياكم ويصحينا من غفلاتنا..وما أكثرهم.9
القصة السادسه: أبو عبدالله
أبو عبدالله..من رجالات الكويت..ممن جاوزا التسعين عاما..عرف بهدوئه وسكينته بين أهله وجيرانه..وإحسانه إليهم..ورغم تقدمه الكبير في السن..إلا أنه لم يعرف للأطباء درباً قط..وفي يوم ما..يسقط الأب والجد في فخ الجلطات اللعينه..فيلبث مجبرا في المستشفى..وفي هدوئه المعهود يقابل الهيئة التمريضية.. وبينما يصارع ضربات المرض بكل قوة..يسارع أبناؤه إلى الأطباء..يطلبون منهم التقارير التي تفيد بما ليس في أبيهم..يريدون تزييف الحقيقه..والإعلان عن عدم صلاحيته..ليحجروا عليه وعلى ماله..وبينما هم في كرهم وفرهم مع الأطباء الذين رفضوا وبكل شدة كتابة غير الحقيقة..وحينما كنا ندخل عليه فنسأله عن حاله..ماكان يجيب إلا برفع قبضة يده في الجهة السليمة من جسده..يرفعها متبسما في إجابة عن حاله..وفي أحيان أخرى..وحينما ينتقل المرض فيصبح النصف السليم ضعيفا والعكس..كان يرفع القبضة الأخرى ضاحكا..يرفعها كما يرفع المقاتل درعه معلنا انتصاره..وكان كذلك حتى غادر المستشفى سليما معافا..فكان رمزا للتفاؤل..ورمزا للعزيمة وعدم اليأس..ومقاتلة المرض..والتمتع بالحياة حتى آخرها..9
القصة السابعه: قيس
أذهب إلى فراشه..فإذا هو غير الذي ذكر عنه..قيل لي أنه بالعقد الخامس من عمره..إلا أن هيئته تدل على من هو أسن من ذلك بكثير..من أنت..تخرج حروفه متقطعة بصعوبه وعناء..أنا قيس..فإذا بمن حوله يتبسّمون..خالطني الشك..وأكملت أسئلتي وفحوصاتي..فتبين إصابته بما يشل الجهاز العصبي ويضعف جسده بالكامل..فلا هو يتحكم في خروجه أو حركته..ولا في تعابير وجهه التي كانت تختلف عن كلامه..فكان منظره متجهما رغم مزاحه الدائم..ويصارع عضلات وجهه ليخرج ابتسامته..لكن..ما سبب تبسم من حوله..في اليوم التالي..دخلت عليه وحاول القيام من فراشه بمساعدة من حوله..دكتور..تفضل..آخر إصداراتي..كتاب كتب عليه..الحب والحياة..تأليف الدكتور قيس..فتداركت..الدكتور قيس..كنت أدرس في الجامعه إلى أمد قريب..وأكملت رعايتي لطلبتي حتى بعد تشخيص مرضي..ويوما بعد يوم بدأت أضعف أكثر فأكثر..وهي أعراض تلك العلة اللعينه..حتى بت كما ترى..لكن يادكتور..أرجوك..لاترأف لحالي..فوالله إني لضعيف الجسد لكني قوي الإرادة حاضر الذهن..وهاهي إصداراتي من الكتب الثمانيه التي ألفتها بعد إصابتي تشهد على ما أقول..وهاهي رسائل تلاميذي ودعواهم بالشفاء العاجل..هاهو دليل زيارتهم وسؤالهم الدائم عني..مجددا..كانت الحروف تختنق في حنجرته..وتقاوم عبرات الانكسار والوهن..فكان يقسو على نفسه ليبدو قويا كما شهدته..نظرت إلى ماكتب..فكانت مواضيعه كلها عن الحب..والتسامح..والإرادة..والتفاؤل..رجل مثقف من الطراز الأول..مثال نادر على قوة الإنسان حينما يريد..وتذكرت أصحاب العلل البسيطه..تذكرت تذمرهم واعتراضهم على قضاء الله وقدره..فأي رجل عظيم أنت يادكتور قيس..لن أنسى ابتسامته التي عرفت شكلها وحفظته..تعلمت كيف يبتسم..وكيف يريد أن يرتاح دون إزعاج..تعلمت متى يريد الحديث..ومتى يريد إنهائه..حكيم رغم زيف ظاهره الذي لايدل على باطنه..وقوي كقوة يده حينما يصافحك..ليقول لك وبشكل مباشر..لازال في الأمد حياة..9
القصة الثامنه: رجالات الكويت
قصته أكبر من أن تختصر في سطور قليلة..وأعظم من أن تقال في موضوع ومقال..ولد عصاميا..ويتيما..لكنه وهب من الأخوة الرجال ما أنساه ضعف التيتم..نشأ في طلب التعليم..ثم بدأ في تدريسه..وما لبث أن انتقل مع أخوانه إلى غيره من الوظائف..فتارة في البناء..وتارة في قطاعات الدولة المختلفه..سافر أقطار الارض..مشارقها ومغاربها..وتبدل حالهم بعد عناء السنين وأهوالها من حال إلى حال..رزق بالأبناء والبنين..كبر وكبروا..فإذا له من الأحفاد مايسعده ويدخل البهجة والسرور عليه..كان دائم التواجد مع أخوته وأخته الوحيده..توفي الأخ الأكبر..حاضن الصغار وكافيهم..فكانت الفاجعة والمصيبه..وكانت الأمراض..تمر الأيام والسنين..كان يكفيه من الأمراض مالديه..لكنه كان دائم المراجعات والفحوصات..ملتزم بما يقال له..أدخل المستشفى أكثر من مرة..لكنه كان يخرج منها في كل مرة بسلام..يسقط من حوله..أصدقاء الطفولة..وأبناء جيله..ويبقى هو مع من تبقى منهم..يعيشون على رحمة الله..ويبتغون من فضله ماستطاعوا..دائمي العبادة مخلصين فيها..فهم الجيل الذي بنى الكويت..بسيطا..نقيا طاهرا..تدور الأيام..ويسقطه المرض مرة أخرى..لكن ضربته كانت حاسمة..أدخل إلى المستشفى..ومنه إلى العناية المركزة..غيبوبة..وانقطاع تام عمن حواليه..تكالب الأهل والمحبين والمقربين من كل حدب وصوب..يراقبون تطور حالته ويدعون له بالشفاء العاجل..تمر الأيام..ويحتار الأطباء في كيفية معالجته..فقد بدأت حالته تسوء..وبدأ في الضياع من أيديهم..فبات تحت رحمة الله..وفي ليلة ظلماء..يتصل الطبيب المعالج بأبناءه أن هلمّوا..فقد حانت ساعة الرحيل..يلتم شملهم حول فراشه..ويقفوا مكتوفي الأيدي بينما يحاول الأطباء مابوسعهم..تعطى الأدوية..ويبدأ الإنعاش..وتبدأ صعقات القلب الكهربائية..فكان يئن ويتألم في غيبوبته..كان جسده الطاهر يقفز ويتأوه مع كل صعقة..رغم غيبوبته..وكأني به في لحظتها يرا حياته..كأني به يراها تمر أما ناظريه..في غيبوبته..يرا أمه الراحلة..كم اشتاق لرؤياها..ويشاهد أخوته وهم يلعبون صغارا..وكأني به يسمع أهازيج الفرحة بزواجه..يسمع بكاء طفله الأول..ويتذكر ابتسامة ابنته..كأني به مفتخراً بتخرج إبنه..معاتبا لأخيه..كأنه يرا استقراره في عمله..وحياته في بيته..كأنه يرا..ويقاطع كل ذلك الصدمة الكهربائية التاليه..يتأوه..يتألم..يأن..ثم يعاود مشاهدة شريط حياته..رحماك يا إلهي..يتذكر خصامه مع صديق عمره..ثم يذكر صلحهم..يتبسم..في غيبوبته..تبدأ الصدمة الكهربائية مجددا..لكن إحساسه بالألم بدأ يضعف..فماعادت تأثر به..وبات يشعر بفقدان الاتصال بالحياة الدنيا..فقد أزفت ساعة الآخره..يسلم روحه لربه..متبسما..راضيا..طاهرا..رغم ما أصابه في أيامه الأخيرة..يبكي من حوله..ويجهشون في ذلك..إلا مايهم أنه رحل راضيا..تخشب الجسد..وبقيت الروح زكية ذكراها..عطرة..فكم بقى من ذلك الجيل الفريد..وكم لهم من أفضال علينا..كم رددنا منها..وكيف عاملناهم ونعاملهم..كيف نقدرهم..هل من راحم لشيخ كهل..أو هل من متذلل لعجوز ضعيفه..اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه..واختم بالصالحات أعمالنا..إنك سميع مجيب..9
القصة التاسعه: الأم الأليمة
الرجاء الحضور الفوري إلى غرفة الطواريء..ألج مسرعاً..أتتبع أصوات الأنين..أفتح الستارة..فإذا بامرأة مسنة..تقلبها شدة الألم ذات اليمين وذات الشمال..دكتور..أسعفني..ارحم ضعفي وخفف من آلامي..أراجع الملف..فإذا هي أصغر بكثير مما تبدو..دكتور..صمتت..ثم صمتت..توقفت الحركه..أنت تشبه إبني..وما هممت أن أمازحها وأسأل عنه لأخفف عن آلامها حتى أكملت..حين أسره العراقيون..وقتلوه..شهيداً..أطرق المكان وخيم عليه الصمت.. سكنت في فراشها..وأغمضت عينيها..ثم بكت في صمت..بكت حتى اهتز جسدها..فتحت عيناها ثم تأملت سقف الغرفه..تأملت كمن يتذكر آخر اللحظات..ووقت الوداع..حينما أسر..وقبل أسره بقليل..تذكرت وجهه..وابتسامته..تذكرت صوته الشجي..تذكرت ولادته..خطواته الأولى في المدرسه حتى غدى شابا يافعا..صمت طويل..وبكاء فيه حرقة..أنساها آلامها الحاده..أمي العزيزة..إبنك شهيد يشفع في سبعين من أهله..وأنت أول من يشفع به..أومأت برأسها موافقة ودموعها تنهمر..إبتسمت من بين الدموع..اعتذرت فرفضت اعتذارها..بل أنا من يعتذر يا أماه..عادت الآلام..وصفت العلاج..ومشيت متأملا ومتفكرا..أهذا قلب الأم..تنتحب على إبنها بحرقة..تبكي بعد فراقه بما يناهز العشرون عاما..لكن نحيبها كمن فقده البارحة..فيا قلب أمي..لك الله..لله درك ياقلب الأم..كم من عاق وغافل..لكنه قلبها الذي لاينسى..وروحها المتعلقة به..9
إنتهــــــــــى
48 comments:
يامال العافية
أشكرك على القصص
وعسى الله أن يجعلنا هينين لينين لوالدينا
:)
اللـه يسامحك :(
الله يعينك يالسمي
فعلا فعلا
غير متاعب المهنه الفنية
التعب و التاثير النفسي
الله يعينكم
لله يعطيك الصحه والعافيه
ويعين ويشفي كل مريض
عورت قلبي والله
شكرآ علي الأستدراك ....
وربنا يوفقك ويكثر من أمثالك
ومأجور أنشاء الله
تحياتي.....
السلام عليكم
ان فات الفوت ما ينفع الصوت
بيض الله ويهك دكتورنا وكثر الله من امثالك
يا الله على هالقصص شنو أثرت فيني والله خلتني أدمع وانا نادر ما أتأثر جذي ما أقول الا الله يعطيك العافيه وتلقاها عند ربك إن شاءالله
وايد ضاق خاقي من القصة الاولى!!
صج الفلوس تغير لنفوس ، ابوهم اشفيهم ماخذتهم الدنيا لهاالدرجة
انا هالأشياء بس مرت علي بالأفلام ما هقيت اكو بالصج
الله اصبر اللي رباهم و ما جنا منهم اللا عذابهم
شكرا دكتور عالقصص و تقبل اللع دعائك واحسانك
اخي العزيز
كل من يؤدي عمل في مكان ما
والمهم..ان لا نؤدي اعمالنا فقط
بل نستحضر نيتنا في كل عمل
!!
استحضر النيه
كيف تفرج بابتسامتك همومهم
وكيف تفرح برعايتك كربهم
وكيف تنقل لنا هذه القصص فنعتبر ونتأثر
يارب ..يكون كل هذا في ميزان اعمالك
:)
المرض مرعب :\
بوستك يخلي الواحد يتحمد عالصحة و العافية
انا ماني فاهمه شي واحد
شلون انت يالولد ياللي ابوك رباك تعب عليك ترس مخباتك ووصلك اعلى المراكز
لما يكون بحاجه وجودك بس تقول عنه مينون عشان تاخذ فلوسه
شهالقلوب ! اعوذ بالله من غضب الله
الله يعينك يادكتور ويكتبلك التوفيق بكل حاله
ويعطي المرضى الصحه والعافيه
الا بالموت يكفي واعضا
ولكم بالحياة قصاص يا أولي الألباب
يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم
القصص جدا مؤثرة ابكتني
لنا عبرة في كل منها
مشكور يالشيخ
واتمنى الكل يشوف آخرته ونكتفي من غرور الدنيا
القوة والصحة والأصحاب والمال مو دايمين لنا
ولا بناخذ معانا الا عملنا الصالح
جزاك الله خير
قطعت قلبي و بجيتني
:(
و انا ناقصه !!
بروحي خانقتني العبرة
ابي امي
ابي امي ابي ابوي ابي ريلي
جبلة
الله يعافيك
حياتي هدف
امين حياج الله
دلال
:)
قصص معبرة
جزاك الله خير على التذكير و اتمنى تكرر هالعبر و القصص من فترة لي فترة
السمي
والمهمه الصعبه أن تفصل بين الاثنين
واي مي
الله يعافيج
فور
امين حياك الله
سمون
امين يزاك الله خير
شيف كويت
امين والله يلين قلبك اكثر
شهد
كل العقوبات مؤجلة الى يوم الحساب الا عقوق الوالدين عقوبتها مقدمه في الدنيا
استكانه
امين الله يسمع منج
فاشيونستا
نعمتان مغبون عليهما كثير من الناس الصحه والفراغ
سنعه
كما تدين تدان والظلم ظلمات
الزين
ولايعتبر الا اولي الالباب
وطن النهار
مثل هالمواقف تذكر الانسان بكل ماهو عزيز حوله
متفائل
حياك الله ان شاء الله حبيبي
الله يشفيهم
ولا يروعنا على حبايبنا
شكرا على هالقصص
اخر وحده اتعو القلب
الله يرحم ولدها و يصبرها
القصه التاسعه أبكتني :(
الله يرحم حالنا ..
صج صج تمنيت لو كنت دكتوره كلا منك رغم اني لو اشوف احد طايح غشيان طحت قبله :|
;(((
دكتـــــــــــور شسويت فيني
مناحه شيسكتني الحين!؟
القصة الثامنة صج ما وفيتها حقها
مادري بس حسيت هالشخص قريب منك
و ذكرتني بعمي الله يرحمه و يرحم هذاك الجيل العصامي.. جيل الكفاح.. فعلا كانوا رجال
جزاك الله خير اخي العزيز
اسأل الله ان يجعلنا من يأخذون العبرة
ورحم الله ابوعبدالله رحمة واسعة وغفر له
واسأل الله الهداية لمن سببوا له الالم
واعتقد ان قصته باحداثها الخارجية( خارج المستشفى ) تستحق ان تنشر
لما فيها من العبر ... وكيف ينصر الله عباده
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب
يعطيك العافيه و صج صج الله يعينك .. شي مو سهل والله .. الله يهدي الجميع انشالله .. صراحه وايد عجبني اسلوبك و ياريت تكررها
شكرا لكل ماسطرت به مواقفك
الخيلاء
امين حياج الله
كويت
لايبا خلاص انا انقلج كل السوالف
بربل
نعم قريب عسى الله يرحمه
ابولطيف
كما تدين تدان وعياله اذا ماتداركوا عمرهم فياويلهم من غضب الله
غير معرف
حياك الله حاضر ان شاء الله
سيليزيه
حياج الله
الصراحة قصص تعور القلب
بس كله جميلة هي الحكمة عندما تصل الى ان الازمات لها باب من التفاؤل والعزيمة
مشكور يا دكتور
مثل ما ذكرت انه القصص كثيره
في وحده بعد ما توفت
قالوا الدكاتره انها مريضة قلب ليش ما تعالجت كل هالسنين
طبعا راجعت اكثر من مستشفى واكثر من دكتور بكل تخصص
و كلهم قالواانه ما فيها شي
!!!
لكن مانقول غير الله يرحم الحال
و المفروض انه الغلطان و المقصر يتحاسبون
مشاري
لايأس مع الحياة ولاحياة مع اليأس
Peace
كل شي جايز والله كريم
بانتظار المزيد من قصصك أخوي الدكتور
لأن الحياة عبرة
بجيتنا يا ولد الحلال
الحمدلله على الصحه والعافيه
رب ارحمني ووالدي والمؤمنين
قواك الله
Post a Comment