من المشـــــــــفى 1/2

قصص حقيقية..عايشتها ورأيتها بأم عيني..أنقلها لكم..علّ فيها من العبر والعظة مايفيد البعض..ويوقظ البعض الآخر من غفلته

القصة الأولى: أبو أحمد

أجول بين الأسرّة في جناح المستشفى..يناديني أبوأحمد..مريض مسن..فاقد لجزء كبير من ذاكرته...يناديني..من أنت..قلت فلان..فرحب بي في بيته ظانا أنه فيه..ثم مالبث أن تهيأ له أنه في بيت أخته..فجلس يرجوني وهو يبكي..إتصل على إبني أحمد وطمئنه عن حالي..قل له أن أباك سينام لدى أخته..أعلم يادكتور..سوف يقلق علي ويبحث عني..تحسرت في قلبي على مالا يعلمه أبو أحمد..أين إبنه أحمد..بل أين أبناؤه جميعاً.. فقد ألقوه منذ فترة وتركوه وأهملوه..فما من أحد يزوره أو يسأل عنه..9

القصة الثانيه: المستشار محمد

يتراكض الناس والأطباء..يحملون أحد المرضى إلى غرفته..التم الحشد عليه..أين الفحوصات..أين التشخيص..اعتنوا به..فهو المستشار محمد..رئيس هيئة القضاة..تمر الساعات..ويتجمع ذوو البدلات السوداء..قضاة..ومستشارين..بانتظار شفاء رئيسهم..يتوافد الأطباء من كل المستشفيات للاطمئنان شخصيا عليه..يتصل كبار المسؤولين بالدوله على الهيئة الطبية المباشرة لحالته..المستشار يصاب بجلطة تسكته وتشل حركته..فهو كالميت الحي في فراشه..يطعمونه ويغسلون قاذوراته أجلكم الله..تمر الأيام..تقل الاتصالات..ويجف المكان من أصحاب البدل السوداء..يمر الاسبوع وبعده..فمامن أحد إلا زوجته وابنه..عيناه تذرفان الدموع بصمت..ولسان حال قلبه يقول..اللهم مالك الملك..تؤتي الملك من تشاء..وتنزع الملك ممن تشاء..بيدك الخير إنك على كل شيء قدير..وتذكرت ماكان يردده الخليفة هارون الرشيد حينما حضره الموت..ما أغنى عني مالي..هلك عني سلطانيه..عسى الله أن يختم أعمالنا وإياكم بالخيرات..9

القصة الثالثه: شاب من الشام

يبكي..والسكرتيرة العجوز تهديء من روعه..آخذ بناصيته فأتجول معه عله ينسى قليلا..نجلس في إحدى الزوايا..مابك..من أنت..من أهل الشام..في بداية شبابه ونهاية مراهقته..لكن حديثه متحشرج..ومختلط ببكاء الطفل اليتيم..نعم..أنا فلان..أشكو التبول اللاإرادي..وتوفي أبي منذ أسبوعين..هكذا كان كلامه..بسيطا ومتواضعا..عقله لايدل على هيئته..فهو أبسط من البسيط..توفي أبي..وأعيش مع أمي وأختي الصغيره..وما من صديق أو عائل..ثم يبكي..مالك والبكاء رحمك الله..تعنفني أمي العاطلة عن العمل على مابي..وحيث ما نسكن في الملحق صغير..وحينما أغدو لنشر غسيل ثيابنا..يتبادل أطفال الجيران وأبناؤهم نظرات الاستهزاء..ويسمعونني مايهين كرامتي ويذهب عقلي..أبكي تارة..وأتشاجر معهم تارة أخرى..فتؤنبني أمي مرة تلوه الأخرى..أزور جدتي كل صيف في بلادنا..أحبها..تيته..هكذا سماها..لكنها قالت لي في المرة السابقة..إن لم تتحكم في نفسك فلا تزرني مجددا..وأنا محروم منها الآن..يبكي..ثم يكمل..وفي آخر زيارة للطبيب طردني من غرفته لبكائي..ساعدني..ماذا أفعل..أقسم لك أنني أحاول ماستطعت..لا أتعمد..الكل يصفني بانني منعدم الرجوله..ولا أستطيع شرح كل ذلك للطبيب خوفا من غضبه..ويكمل بكاءه. بدأت كلامي بالتشديد على أن مابه علة مرضية صرفة..وبأن أمه وجدته مخطئان في طريقة تعاملهما..وبأن هذه الطريقة إنما تدل على تعبير خاطيء لحبهما له..وبأنهما لايعرفان كيفية التصرف..ظانين أن مايفعلانه هو الصواب. أكملت حديثي بأن حالته لاعلاقة لها بما يفعله الجيران..وإنك إن تخلصت من هذه المشكلة فحتما سيجدون مايغيظونك به مستقبلا..حبيبي فلان..ماتشكو منه لاينقص من رجولتك شيئا..وكم من أناس لم يصبهم مابك لكنهم أشباه للرجال ولك..أخي وصديقي..سيأتي اليوم الذي تتخلص فيه من علتك فتتبسم ضاحكا حينما تتذكرها..أدخل على طبيبك..وقل له مابك دون خوف أو وجل فذاك حقك عليه..وواجبه تجاهك..ثم عد إلى أمك المترملة حديثا..وتولاها وأختك الصغيرة فما لهم من بعد الله غيرك..ولارجل سواك..ثم تجاهل ماتسمعه من جيرانك ليعلموا أي إنسان ناضج أنت..وبينما أحدثه..وثب علي واحتضنني وقبلني وهو يبكي ويدعو لي..اهتز قلبي..واقشعر جسدي..ووجمت في صمت..فكانت ردة فعله في غير ماتوقعت..والحمدلله على كل حال..9

القصة الرابعه: الإبنة الباره

عرفها الجميع..فهي الإبنة البارة بوالدتها..كيف لا..وليس لها بالدنيا بعد الله غيرها..تركت عملها وتفرغت لأمها..للنوم بجانب سريرها بالمستشفى والسهر على راحتها لأكثر من ستة شهور..وفي يوم ما..مرضت الإبنة مرضا شديدا..ولزمت أحد الزوايا في جناح آخر في نفس المستشفى..وبينما الإبنة تنازع ألم الحمى..تشاء الأقدار أن تتوفى والدتها..وظلت الإبنة ترزح تحت آهات مرضها لأكثر من أسبوع وهي تصارع مابها لتسأل عن حال أمها..فكان الجواب أن أمك بخير..ودارت الأيام بدورتها..وشفيت الإبنة..وما أن قامت من سريرها حتى سارعت للذهاب إلى أمها..فراشها فارغ..أين أمي..أجيبوني..فكان إخبارها بماحدث من أصعب المواقف التي مرت في حياتنا العملية..9

القصة الخامسه: فحص العجوز

فتحت باب عيادتي..فإذا برجل مسن يدفع بامرأة عجوز وهو يتمتم غضبانا..مابك..ماهذه المعاملة يادكتور..أنا رجل كهل وأمي امرأة مسنة..وكلما طرقت بابا رفضوا علاجها بحجة المواعيد..أخذته إلى داخل عيادتي..وعرفت من كلامه أن أمه تشكو من أعراض في منطقة حساسه..وكانت أمه كالحاضر الغائب من كبر سنها..أمرت الممرضة أن تدخلها لغرفة الفحص..بدأت بفحصي فبدأت بالبكاء..أمي..ماذا يؤلمك..هل هو هذا المكان..أم ذاك..وهي صامته..أعيد الفحص في مكان آخر فتبكي..يا خاله..أجيبيني..فمامن جواب إلا البكاء والأنين..ثم وبدون مقدمات رفعت يدها إلى السماء..ومن بين دموعها صاحت..اللهم إني أستغفرك مما يحدث..وأتوب إليك من كشف عورتي على الرجال..تجمدت في مكاني..وتسمرت أطرافي..لا إله إلا الله..وعبثا حاولت تهدأتها..إنني كابنك..بل إبن ابنك..وإنني إذ أكشف عليك فإنني أبحث عن علتك لعلاجك..ولكن هيهات هيهات..لم ترضها كلماتي..ولم يخفف عنها إلا ستر عورتها..فتذكرت بعضاً من شياطين الإنس في زماننا هذا..وتحسرت على زمان جميل مضى..9

يتبــــــــع